بخطى ثابتة، ولجت إلى مقر المحكمة المدنية الابتدائية بالدار البيضاء. دون تردد، وقّعت مريا الناصري بالسجل الخاص بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها أو برفضه.
تقول مريا، في حديثها لهسبريس، “منذ سنوات وأنا أفكر في هذا الأمر، ومقتنعة به، وأتمنى أن أنقذ حياة أشخاص آخرين بعد مماتي بفضل تبرعي بأعضاء جسدي”، مضيفة بتأثر بالغ أنها “تبرعت أيضا، حتى لصالح الأبحاث العلمية التي يمكن أن يستفيد منها العلم مستقبلا”.
لا يقتصر الأمر عند هذا الحد، فهذه السيدة ستعمل على إقناع أفراد أسرتها بالتبرع بأعضائهم، قائلة: “اليوم، سجلت تبرعي، وسأعمل على أن يقوم بذلك أفراد أسرتي.
14 حالة تبرع!
خلال عملية التسجيل بالسجل الخاص بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية، التي نظمتها جمعية “كلي” اليوم الثلاثاء، حرص عبد الرحيم آيت امحمد، نائب رئيس المحكمة المدنية الابتدائية بالدار البيضاء، على توجيه أسئلة إلى السيدة التي حضرت لتسجيل تبرعها بأعضائها؛ غير أن السيدة أبانت، بابتسامة، عن اعتزاز بقرار جريء متعلق بإنقاذ حياة آخرين، وكشفت كيف حسمت في أمر تبرعها بعد الممات.
مريا واحدة من الأشخاص المبادرين الذين يعول عليهم الأطباء، خصوصا أن الأرقام المرتبطة بالتبرع بالمغرب والدار البيضاء بشكل خاص تبقى محبطة، إذ لم يتجاوز عدد المتبرعين المحتملين بعد الممات منذ سنة 2010 إلى اليوم 446 حالة، حسب ما أكده نائب رئيس المحكمة المدنية.
وتشير الأرقام المقدمة من لدن المسؤول القضائي إلى أن عدد المتبرعين المحتملين، خلال هذه السنة التي شارفت على نهايتها، وصل إلى 173 شخصا، مقارنة مع السنة الماضية التي جرى خلالها تسجيل 151 حالة.
أما بخصوص المتبرعين الأحياء، فأورد آيت امحمد أن عددهم لم يتجاوز 98 حالة منذ 2010 إلى اليوم، إذ جرى تسجيل 14 حالة فقط خلال هذه السنة؛ وهي أرقام تبقى ضعيفة، على حد تعبيره، بالنظر إلى عدد سكان المدينة المليونية.
تعديل القانون لتسهيل التبرع
حسب الدكتورة أمال بورقية، رئيسة جمعية “كلي”، فإن عدد المتبرعين لم يتجاوز 1000 شخص منذ بداية قانون التبرع بالأعضاء؛ وهو ما يعد رقما مخجلا، على حد تعبيرها.
وأكدت الدكتورة بورقية، في تصريح لهسبريس، أنه “باستثناء الدار البيضاء، فهناك مدن أخرى تعرف نقصا كبيرا في هذا المجال، خاصة مع غياب سجلات ببعض المحاكم”، مضيفة أن جمعيتها “تعمل، من خلال هذه الأنشطة، على تشجيع الناس من أجل التبرع وإنقاذ حياة الآخرين”.
وأوضحت رئيسة جمعية “كلي” أن المتبرعين “هم من جميع المستويات الثقافية؛ لكن وجب العمل أكثر لتشجيع المغاربة من أجل فهم معنى التبرع وكيفية إنقاذ حياة أشخاص آخرين”.
من أجل تشجيع ثقافة التبرع وتسهيلها في وجه المغاربة، أكدت الخبيرة الطبية، ضمن تصريحها، أنها ستعمل على التقدم لدى الفرق البرلمانية والحكومة بعد تنصيبها بمقترح لتعديل القانون رقم 16-98، لجعل المواطنين يتبرعون بشكل تلقائي تفاديا لكل الإجراءات الإدارية والقانونية التي قد تعيق المغاربة من الانخراط في هذا العمل الإنساني.
شددت المتحدثة نفسها على أن هذا اللقاء يأتي ضمن المجهودات التي تقوم بها الجمعية من أجل تنوير الرأي العام وتبيان مدى سهولة عملية التبرع بالأعضاء، والتي لا تتجاوز دقيقتين داخل المحكمة.
مجهودات غير كافية
خلال الاحتفاء باليوم العالمي للتبرع بالأعضاء الذي يصادف يوم 17 أكتوبر، قدمت وزارة الصحة المغربية معطيات عن التبرع، والتي كشفت بأن هذه الثقافة لم تترسخ بعد لدى المواطن المغربي، إذ تم إجراء 460 عملية زراعة للكلي، 220 منها أنجز في الفترة الممتدة بين سنتي 2010 و2015.
الوزارة الوصية تعترف بأن المجهودات التي بذلتها في سبيل تعزيز وتطوير عملية زرع الأعضاء والأنسجة البشرية “تبقى غير كافية للرقي بالتبرع وزرع الأعضاء، كعلاج أخير ووحيد للعديد من الأمراض المستعصية”.
وأوضحت الوزارة الوصية على القطاع الصحي في المملكة، في بلاغ سابق لها، أنه “جرى إنشاء وتشغيل بنك الأنسجة بمراكش والرباط، وتفعيل مجموعة من الأجهزة من ضمنها المجلس الاستشاري لزرع الأعضاء والأنسجة البشرية، ولجان زرع الأعضاء في المستشفيات الجامعية، ووحدات تنسيق عمليات نقل وزرع الأعضاء داخل شبكة المستشفيات”؛ وهي الخطوات التي تروم تطوير عملية زرع الأعضاء.