ثقافةٌ تكاد تكون منعدمة. تنّم وفق البعض عن انعدام الاهتمام بحياة الآخرين، وتذكير بالموت يبدو أن الناس في غنى عنه.
ما زال التبرع بالأعضاء بعد الوفاة على خجلٍ في المغرب. الأرقام أكثر من أن توصف بالهزيلة… نحو ألف متبرع في تعداد سكاني للبلاد يصل إلى 36 مليون نسمة.
ثقافةٌ تكاد تكون منعدمة. تنّم وفق البعض عن انعدام الاهتمام بحياة الآخرين، وتذكير بالموت يبدو أن الناس في غنى عنه.
ينبغي أن تتوافر ظروف مهمة إذا توفي الشخص المتبرع حتى يستطيع الطاقم الطبي الحصول على أعضائه.
ثمّ… يوجد من تساورهم الرغبة في التبرع، وليست لديهم معلومات كافية عن الموضوع. أو أسئلة معلقة على نحو يُرخي بالشكوك حيال ذلك.
… تلك الأسئلة، حمل “مرايانا” بعضا منها وتوجّه بها إلى البروفيسور آمال بورقية، أخصائية أمراض الكلي، غسيلها وزراعتها، ورئيسة الجمعية المغربية لمحاربة أمراض الكلي.
رقم هزيل!
تؤكد بورقية أنه ليست لدينا أرقام دقيقة عن المتبرعين بعد الوفاة، لأن سجلات المحكمة حيث يُعبَّر عن الرغبة في التبرع، غير مرقنة إلكترونيا، ومن ثم، غير محينة.
إنّما على نحو عام، تضيف بورقية، لدينا نحو ألف شخص مُقيّد في هذه السجلات، وجلّ هؤلاء يوجدون بالدار البيضاء.
يوجد متبرعون بمدن أخرى، مثل الرباط، فاس، مراكش، إلا أنّهم وفق بورقية قلّةٌ جدا: “قمنا هذه السنة بتسجيل جماعي في طنجة، وكانت المرة الأولى التي تفتح فيها المحكمة سجل التبرع”.
هذه الأرقام ضعيفة جدا، تؤكد المتحدثة ذاتها؛ بل ويمكن، بالنسبة لها، أن نجزم بانعدام التبرع بالأعضاء في البلاد.
يطلب الطاقم الطبي رأي العائلة في جميع الحالات، حتى لو كان الشخص المتوفى قد عبّر عن رغبته في التبرع؛ مُقيداً في سجل المحكمة.
“ماذا يعني هذا الألف من الأشخاص ونحن لا نعرف متى نموت وكيف، وهل تكون أعضاؤنا صالحة يومذاك أم لا؟”، تتساءل البروفيسور، مشيرة إلى أنه ينبغي أن يكون لدينا ملايين الأشخاص المقيدين في سجلات التبرع، حتى نستطيع الحصول على نسبة تسمح ظروف وفاتها بمنح الأعضاء.
هل يمكن أخذ أعضاء أي متبرع؟
إذا توفي الشخص المتبرع، ينبغي أن تتوافر ظروف مهمة حتى يستطيع الطاقم الطبي الحصول على أعضائه.
تقول بورقية: “يظن الناس أننا نستطيع أخذ أعضاء أي شخص توفي، سواء في منزله أو في حادث سير…”.
وتضيف: “ينبغي أولا أن يكون في حالة موت دماغي، تسمح للقلب بالنبض حتى يضخ الدم وتظل باقي الأعضاء حية”.
لا تمنح المحكمة أي بطاقة للمتبرع. وفي حين تمنحها الجمعيات، تظلّ غير رسمية؛ تساعد فقط في العودة إلى رقم المتبرع في سجل المحكمة أو تدقيق وضعية تسجيله.
توضح البروفيسور أن الأعضاءَ ضائعةٌ لا محالة إن تأخرنا عنها قليلا. كذلك هو الحال بالنسبة للقلب والكبد مثلا، بينما تستطيع الكلي أن تظل حية إلى 24 أو 36 ساعة.
ثمّ، تتابع، ينبغي أن تكون أعضاؤه سليمة، وألا يكونَ المتوفى قيد حياته مريضا كان يتابع علاجه من أمراض عُضال.
اقرأ أيضا: التدخين في المغرب… حين يعجز القانون عن محاكمة القاتل!
رأي العائلة… حاسم!
تؤكد أخصائية أمراض الكلي أنه، في جميع الحالات، وحتى إذا كان الشخص قد عبّر عن رغبته في التبرع؛ مُقيداً في سجل المحكمة، فإن الطاقم الطبي يطلب رأي العائلة.
لماذا؟ لأن الطاقم الطبي، توضح المتحدثة ذاتها، لا يرغب في القيام بعمل إنساني قد يكون ضد إرادة العائلة.
“صادفنا حالات ترغب في التسجيل، إلا أنها لا ترغب في إخبار عائلاتها”، تقول بورقية، مشددة على ضرورة إخبار العائلة مع التعبير عن الرغبة في التبرع.
ترى بورقية أنه لا بد من تغيير القانون ذي الصلة، كما حدث في فرنسا وبلجيكا مثلا، واعتبار كل المواطنين متبرعين بعد الوفاة، إلا من سجّل نفسه في سِجلّ الرفض.
وإلا، تُوضّح، تحدث مشكلة فيما بعد. فجل هذه الحالات تتعرض لموت مفاجئ، ومن ثم يدخل أقاربهم في حالة سيكولوجية، لا تسمح دائما بتوفر الاستعداد للاستماع إلى ما يقوله الطاقم الطبي.
تُشير البروفيسور إلى أن المحكمة لا تمنح أي بطاقة للمتبرع. وفي حين تمنحها الجمعيات، تُضيف، تظلّ البطاقة غير رسمية؛ تساعد فقط في العودة إلى رقم المتبرع في سجل المحكمة أو تدقيق وضعية تسجيله.
اقرأ أيضا:أسماء بن العربي تكتب: أنت مغربي؟ لا تمرض من فضلك
المتبرع الحي؟
ترى أمال بورقية أنه لا بد من تغيير القانون ذي الصلة، كما حدث في فرنسا وبلجيكا مثلا، واعتبار كل المواطنين متبرعين بعد الوفاة، إلا من سجّل نفسه في سِجلّ الرفض.
“هكذا، توجد فرصة أكبر للحصول على عدد أكبر من المتبرعين” تقول البروفيسور، موضحة: “يحدث أحيانا أن الشخص لا يكون ضد التبرع، إلا أنه لم يفكر في ذلك أو لم يجد وقتا للتسجيل في المحكمة أو ربما لم يعرف كيف”.
في المغرب، ما زال التبرع بالأعضاء بعد الوفاة على خجلٍ. الأرقام أكثر من أن توصف بالهزيلة… نحو ألف متبرع في تعداد سكاني للبلاد يصل إلى 36 مليون نسمة.
وتضيف: “زراعة الأعضاء عبارة عن عملية مكلفة ماديا. نُشجع حاليا على الاهتمام بالمتبرع الحي. لماذا؟ لأنه ينجح أكثر ونتيجته أفضل، ثم إنه أقل تكلفة ذلك أن كل شيء مُعدّ ومبرمج مسبقا”.
أما في حالة المتبرع بعد الوفاة، فتقول بورقية: “ينبغي أن يظل في الإنعاش، وهذا مكلف، سواء ماديا أو من الناحية الطبية، أما إذا عاد إلى بيته، فالأعضاء لن تكون صالحة بعد ذاك”.
وتتابع: “ثم إن معظمهم يتوفى في حوادث سير، لذا ينبغي أن يصل إلى المستشفى بسرعة فائقة، وإلا فإن أعضاءه لن تصلح لشيء كما أوضحت سابقا”.